الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
أخرج أبو داود [2]. والنسائي. عن ثعلبة بن عباد عن سمرة بن جندب، قال: بينا أنا. وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس، قِيد رمحين، أو ثلاثة، في عين الناظر من الأفق، اسودَّت، حتى آضت، كأنها تنومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فو اللّه ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في أمته حدثًا، قال: فدفعنا، فاذا هو بارز، فاستقدم، فصلى بنا، فقام، كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتًا، قال: ثم ركع، كأطول ما ركع بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتًا، ثم سجد بنا، كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتًا، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلى الشمس جلوسه في الركعة الثانية، ثم سلم، فحمد اللّه وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا اللّه، وأنه عبده ورسوله، انتهى. - حديث آخر: أخرجه النسائي عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: إذا خسفت الشمس. والقمر، فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة، انتهى. ورواه أحمد في "مسنده" [3].والحاكم في "المستدرك"، وقال: على شرطهما، وينظر لفظهما، وتكلموا في سماع أبي قلابة [4] من النعمان، قال ابن أبي حاتم في "عللّه": قال أبي: قال يحيى بن معين: أبو قلابة عن النعمان بن بشير مرسل، قال أبي: قد أدرك أبي قلابة النعمان بن بشير، ولا أعلم أسمع منه، أو لا، وقد رواه عفان [5] عن عبد الوارث عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل عن النعمان، وقال ابن القطان في "كتابه": هذا حديث قد اختلف في إسناده، فروى عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير، وروى عنه عن قبيصة بن المخارق الهلالي، وروى عنه عن هلال بن عامر عن قبيصة بن المخارق، انتهى. قال النووي في "الخلاصة": ورواه أبو داود بلفظ: كسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فجعل يصلي ركعتين، ويسأل عنها، حتى انجلت، قال: وإسناده صحيح. إلا أنه بزيادة رجل بين أبي قلابة. والنعمان، ثم اختلف في ذلك الرجل، انتهى كلامه. - حديث آخر: أخرجه البخاري في "صحيحه" [6] عن الحسن عن أبي بكرة، قال: خسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فخرج يجر رداءه، حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه، فصلى بهم ركعتين، فانجلت الشمس، فقال: "إن الشمس. والقمر. آيتان من آيات اللّه، وأنهما لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بهما عباده، فإذا كان ذلك، فصلوا حتى ينكشف ما بكم"، انتهى. ورواه النسائي [7]، وقال فيه: فصلى بهم ركعتين، كما تصلون، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال فيه: فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم، قال ابن حبان: مثل صلاتكم في الكسوف، ووهم النووي في "الخلاصة"، فعزا هذا الحديث "للصحيحين"، وإنما انفرد به البخاري. - حديث آخر: أخرجه مسلم [8] عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: كنت أرمي بأسهم لي بالمدينة، في حياة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، إذ كسفت الشمس، فنبذتها، وقلت: واللّه لأنظرن إلى ما حدث لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في كسوف الشمس، قال: فانتهيت إليه، وهو رافع يديه، فجعل يسبح، ويحمد ويهلل ويكبر، ويدعو حتى حسر عنها، فلما حسر عنها، قرأ سورتين، وفي لفظ: قال: فأتيته، وهو قائم في الصلاة، رافع يديه، فجعل يسبح، ويحمد، ويهلل، إلى آخره، وظاهر هذين الحديثين، أن الركعتين بركوع واحد، وقد تكلفوا للجواب عنهما، فقال النووي: قوله: وصلى ركعتين "يعني في كل ركعة قيامان وركوعان"، انتهى. وقال القرطبي: يحتمل أنه إنما أخبر عن حكم ركعة واحدة، وسكت عن الأخرى، وفي هذين الجوابين إخراج اللفظ عن ظاهره، وهو لا يجوز إلا بدليل، وأيضًا فلفظ النسائي: كما تصلون. وابن حبان: مثل صلاتكم، يرد ذلك، وتأوله المازري، على أنها كانت صلاة تطوع لا كسوف، فإِنه إنما صلى بعد الانجلاء، وابتداؤها بعد الانجلاء لا يجوز، وضعفه النووي بمخالفته للرواية الأخرى، قال: بل يحمل قوله: فاتهيت إليه، وهو رافع يديه، على أنه وجده في الصلاة، كما في الرواية الأخرى، فأتيته، وهو قائم في الصلاة، وكانت السورتان بعد الانجلاء، وهذا لابد منه، جمعًا بين الروايتين، انتهى. وذكر القرطبي ما ذكر المازري أيضًا، ثم قال: لكن ورد في أبي داود [9] عن النعمان بن بشير، قال: كسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فجعل يصلي ركعتين، ويسأل عنها حتى تجلت الشمس. قال: وهو معتمد قوي للكوفيين [10]، غير أن أحاديث الركعتين في كل ركعة أصح، وأشهر، ويحمل هذا على أنه بين الجواز، وذلك هو السُّنة، انتهى. وقد غفل القرطبي عن حديث أبي بكرة، عند البخاري، كما تقدم، وفيه: فصلى بهم ركعتين، واللّه أعلم. - حديث آخر: رواه أبو داود في "سننه" [11] حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي، قال: كسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فخرج فزعًا، يجر ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين، فأطال فيهما القيام، ثم انصرف، وقد انجلت، فقال: إنما هذه الآيات يخوف اللّه بها عباده، فإِذا رأيتموها فصلوا، كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة، انتهى. ثم رواه: حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا ريحان بن سعيد حدثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر، أن قبيصة الهلالي حدثه أن الشمس كسفت، بمعنى حديث موسى، ولم يسق المتن، ورواه الحاكم في "المستدرك" بالسند الأول، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، قال: والذي عندي أنهما عللاه بحديث يرويه ريحان بن سعيد [12] عن عباد بن منصور [13] عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر عن قبيصة، قال: وهذا لا يعلل حديثًا رواه موسى بن إسماعيل عن وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة، انتهى كلامه: ورواه النسائي في "سننه" بسند آخر، فقال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم أن جده عبيد اللّه بن الوزاع حدثه حديث أيوب السختياني عن أبي قلابة عن قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: كسفت الشمس، ونحن مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بالمدينة، فذكره بلفظ أبي داود، سواء، قال البيهقي: بعد أن رواه بالسند الأول، سقط بين أبي قلابة. وقبيصة رجل، وهو: هلال ابن عامر، قال النووي في "الخلاصة": وهذا لا يقدح في صحة الحديث، فإن هلالًا ثقة، انتهى. قال البيهقي [14]: وسياق هذا الحديث، وسائر الأحاديث الواردة بركعتين يدل على أن المراد الإِخبار عن صلاته عليه الصلاة والسلام يوم الكسوف، يوم مات إبراهيم، وقد أثبت جماعة من حفاظ الصحابة عدد ركوعه في كل ركعة، فهو أولى بالقبول [15]، انتهى. وقال ابن الجوزي في "التحقيق": كل ما ورد أنه صلى ركعتين، فهو محمول على أنه كان في كل ركعة ركوعان، وقوله: مثل صلاتنا، أو مثل صلاتكم، ظن من الراوي، انتهى. - أحاديث خسوف القمر: تقدم في "الصحيحين" من قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه، لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا"، وفي لفظ: "فافزعوا إلى الصلاة"، أخرجاه [16] من حديث عائشة، ومن حديث ابي مسعود الأنصاري، والحاكم [17] من حديث النعمان بن بشير: "فأيهما انخسف فصلوا حتى ينجلي"، وللبيهقي [18] من حديث أبي بكرة: "فإذا خسف واحد منهما، فصلوا"، وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام صلى في خسوف القمر، كما أخرجه الدارقطني في "سننه" [19] عن ثابت بن محمد الزاهد حدثنا سفيان بن سعيد عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى في كسوف الشمس. والقمر ثمان ركعات في أربع سجدات. انتهى. وإسناده جيد، سكت عنه عبد الحق في "أحكامه" ثم ابن القطان بعده، وقال: إن ثابت بن محمد الزاهد صدوق. - حديث آخر: أخرجه الدارقطني أيضًا [20] عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة، قالت: إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يصلي في كسوف الشمس. والقمر أربع ركعات، وأربع سجدات، قال ابن القطان [21] فيه سعيد بن حفص، ولا أعرف حاله، انتهى. قوله: لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء، قلت: أخرج البخاري. ومسلم [22] عن المغيرة بن شعبة، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: إن الشمس. والقمر آيتان من آيات اللّه فاذا رأيتموها فادعوا اللّه وصلوا حتى تنكشف"، انتهى. وللبخاري [23] عن أبي بكرة مرفوعًا نحوه، وقد تقدم، ولمسلم [24] عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: فذكر نحوه، وله أيضًا [25] من حديث عائشة، فاذا رأيتم كسوفًا فاذكروا اللّه حتى تنجلى، وفي لفظ له: صلوا حتى يفرج عنكم، وله ايضًا [26] من حديث جابر بن عبد اللّه، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوم مات إبراهيم ابنه، فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم، فقال: "يا أيها الناس، إنما الشمس. والقمر آيات من آيات اللّه، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا حتى تنجلى"، مختصر، وأخرج أبو داود [27] عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب، قال: انكسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فصلى بهم، إلى أن قال: ثم جلس كما هو، مستقبل القبلة يدعو حتى تجلى كسوفها، مختصر، وأبو جعفر الرازي عيسى بن عبد اللّه بن ماهان، اختلف قولهم فيه. - الحديث الثالث: روت عائشة رضي اللّه عنها - أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ جهر في ركعتي الكسوف بالقراءة، قلت: أخرجه البخاري. ومسلم [البخاري في "باب الجهر بالقراءة في الكسوف" ص 145، ومسلم: ص 296] عن عروة عن عائشة، قالت: جهر النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في صلاة الخسوف بقراءته، فاذا فرغ من قراءته فركع، وإذا رفع من الركعة قال: سمع اللّه لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات، في ركعتين. وأربع سجدات، انتهى. لم يقل فيه مسلم: ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف، وللبخاري [قلت: حديث أسماء لم اجده في البخاري، وعز إليه العيني في "البناية". وابن الهمام في "الفتح". والحافظ في "الدراية" أيضًا.] من حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: جهر النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في صلاة الكسوف، ورواه أبو داود [أبو داود في "باب القراءة في صلاة الكسوف" ص 175. والترمذي في "باب القراءة في الكسوف" ص 73، كلاهما من حديث عائشة، دون أسماء] ولفظه: إن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قرأ قراءة طويلة، فجهر بها "يعني في صلاة الكسوف"، انتهى. ورواه الترمذي، ولفظه: إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى صلاة الكسوف، فجهر فيها بالقراءة، انتهى. وحسنه، وصححه، ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع الرابع والثلاثين، من القسم الخامس، ولفظه: قالت: كسفت الشمس على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات، وجهر بالقراءة، انتهى. وفي هذه الألفاظ ما يدفع قول من يفسر [هذا التفسير فسر به النووي في "المجموع" ص 46 - ج 5.] لفظ "الصحيحين" بخسوف القمر، كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا الحديث. - الحديث الرابع: روى ابن عباس. وسمرة - الإِخفاء بالقراءة في صلاة الكسوف. قلت: أما حديث ابن عباس، فرواه أحمد في "مسنده" [ص 293، و ص 350، والطحاوي: ص 197، والبيهقي: ص 335 - ج 3]، وكذلك أبو يعلى الموصلي في "مسنده" حدثنا حسن بن موسى الأشيب أنبأ ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن ابن عباس، قال: صليت مع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الكسوف، فلم أسمع منه فيها حرفًا من القراءة، انتهى. ورواه أبو نعيم في "الحلية - في ترجمة عكرمة" من طريق الواقدي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن يزيد ابن أبي حبيب به، ورواه الطبراني في "معجمه" حدثنا علي بن المبارك حدثنا زيد بن المبارك حدثنا موسى بن عبد العزيز حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، قال: صليت إلى جنب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوم كسفت الشمس، فلم أسمع له قراءة، انتهى. ورواه البيهقي في "المعرفة" من طريق ابن لهيعة، كما رواه أحمد، ومن طريق الحكم بن أبان، كما رواه الطبراني، ومن طريق الواقدي، كما رواه أبو نعيم، ثم قال: وهؤلاء، وإن كانوا لا يحتج بهم، ولكنهم عدد، وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن ابن عباس، أنه عليه السلام قرأ نحوًا من سورة البقرة، هكذا أخرجاه في "الصحيحين" قال الشافعي: فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ، إذ لو سمعه لم يقدره بغيره، ويدفع حمله على البعد، رواية الحكم بن أبان: صليت إلى جنبه، ويوافق أيضًا رواية محمد بن إسحاق بإِسناده عن عائشة، قالت: فحزرت قراءته، ويوافق أيضًا حديث سمرة بن جندب [البخاري في "باب صلاة الكسوف جماعةط ص 143، ومسلم: ص 298، وبهذا اللفظ أخرج أبو داود في: ص 175: من حديث أبي هريرة أيضًا]، وإنما الجهر عن الزهري فقط، وهو وإن كان حافظًا، فيشبه أن يكون العدد أولى بالحفظ، من الواحد، انتهى كلامه. - حديث آخر: إلا أنه غير صريح، وهو الذي، أشار إليه البيهقي: أخرجه البخاري. ومسلم عن ابن عباس، قال: انخسفت الشمس، فصلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، والناس معه، فقام قيامًا طويلًا، نحوًا من سورة البقرة، ثم ركع، وساق الحديث، وقد تقدم، قال الشافعي: فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ، إذ لو سمعه لم يقدره بغيره، هكذا نقله البيهقي عنه، وقال القرطبي في "شرح مسلم": هذا دليل لمن قال: يخفي القراءة، لأنه لو جهر لعلم ما قرأ، وقال المنذري في "حواشيه": هذا الحديث يدل على الإِسرار، وقياسه على قول عائشة [أبو داود في "باب القراءة في صلاة الكسوف" ص 175] في حديث آخر، فحزرت قراءته، قال: فقيل: فعله لبيان الجواز، وقيل يقدم المثبت على النافي، وقيل: يحتمل أن يكون جهر في خسوف القمر، وفيه نظر، لأن حديث عائشة قد جاء فيه ما يدل على أنه في كسوف الشمس، ولم يحفظ أنه عليه السلام جمع في خسوف القمر، إنما هو شيء روى عن ابن عباس، انتهى كلامه. وقال ابن تيمية في "المنتقى": يحمل حديث الإِخفاء على أنه لم يسمعه لبعده، لما ورد في رواية مبسوطة: أتينا، والمسجد قد امتلأ، انتهى. واعلم أن الحديث غير صريح في الإِخفاء، وإن كان العلماء كلهم يحملوه عليه، ولكن قد ينسى الإِنسان الشيء المقروء بعينيه، وهو مع ذلك ذاكر لقدره، فيقول: قرأ فلان نحو سورة البقرة، وهو قد سمع ما قرأ، ثم نسيه، واللّه أعلم. وأما حديث سمرة: فأخرجه أصحاب الأربعة [أبو داود في "باب من قال: أربع ركعات" ص 175، والنسائي: ص 219، والترمذي في "باب كيف القراءة في الكسوف" ص 730، وابن ماجه في "باب ما جاء في صلاة الكسوف" ص 91، والحاكم: ص 334 - ج 7، مختصرًا، و ص 330، مطولًا، والطحاوي: ص 197] عن الأسود بن قيس، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي، قال: قال سمرة بن جندب: بينما أنا، وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس، وقد تقدم بتمامه في "أول الباب"، واللفظ لأبي داود، واختصره الباقون، ولفظهم: قال: صلى بنا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في كسوف، لا يسمع له صوتًا، انتهى. ولفظ النسائي: في كسوف الشمس، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك" مطولًا. ومختصرًا، وقال: حديث صحيح على شرط البخاري. ومسلم، ولم يخرجاه، انتهى. قال ابن حبان: وكان سمرة في أخريات الناس، فلذلك لم يسمع صوت النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، انتهى. وقد تقدم إبطال هذا. - الحديث الخامس: قال عليه الصلاة والسلام: - "إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئًا، فارغبوا إلى اللّه بالدعاء"، قلت: غريب بهذا اللفظ، وفي "الصحيحين" [البخاري: ص 145، ومسلم: ص 300.] من حديث المغيرة بن شعبة، فاذا رأيتموها، فادعوا اللّه وصلوا، وأخرجا أيضًا [البخاري في "باب الذكر في الكسوف" ص 145، ومسلم: ص 299] عن أبي موسى الأشعري، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك، فافزعوا إلى ذكر اللّه ودعائه، وأخرجا أيضًا [البخاري في "باب الصدقة في الكسوف" ص 142، ومسلم: ص 196] عن عائشة: وإذا رأيتموهما، فكبروا. وادعوا. وصلوا. - الحديث السادس: وقال عليه الصلاة والسلام : - "فاذكروا اللّه واستغفروه"، قلت: غريب أيضًا بهذا اللفظ، وفي "الصحيحين" [البخاري في "باب الذكر في الكسوف" ص 145، ومسلم ص 299] عن أبي موسى الأشعري: فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر اللّه. ودعائه. واستغفاره. وللبخاري [قلت: لم أر هذا اللفظ في "الصحيح" من حديث ابن عمر، إنما هو من حديث ابن عباس، في "باب صلاة الكسوف" ص 144، وفي "بدء الخلق - وغيرهما" واللّه أعلم] من حديث ابن عمر، فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا اللّه، قال ابن حبان في "صحيحه": المراد بذكر اللّه في الحديث الصلاة، لأنها تشمل على ذكر اللّه، فسميت به، كقوله تعالى: قوله: والسُّنَّة في الأدعية تأخيرها عن الصلاة، قلت: أخرج الترمذي في "جامعه [الترمذي في "الباب التاسع - من باب عقد التسبيح باليد" ص 188] - في كتاب الدعوات". والنسائي في "كتاب اليوم والليلة" عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة، قيل: يارسول اللّه، أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير، ودبر الصلوات المكتوبات، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد الرحمن بن سابط به، قال ابن القطان في "كتابه": واعلم أن ما يرويه عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة ليس بمتصل، وإنما هو منقطع، لم يسمع منه، واختلفوا في حديثه عن جابر، فقال ابن أبي حاتم: إنه متصل، وزعم ابن معين أنه مرسل، وكذلك عن أبي أمامة، قال عباس الدوري: قلت ليحيى: سمع من أبي أمامة؟ قال: لا، قيل: سمع من جابر؟ قال: لا، هو مرسل، كان مذهب يحيى أنه يرسل عنهم، ولم يسمع منهم، انتهى كلامه. - حديث آخر: أخرجه أبو داود [أبو داود في "آخر كتاب الصلاة - في باب الاستغفار" ص 220، والحاكم في "المستدرك" ص 373، على شرطهما.]. والنسائي عن معاذ أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال له: "يا معاذ، واللّه إني لأحبك، أوصيك، يا معاذ! لا تدعنَّ دبر كل صلاة أن تقول: اللّهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك"، انتهى. قال النووي في "الخلاصة": إسناده صحيح، انتهى. - حديث آخر: قال البخاري رحمه اللّه في "تاريخه الوسط - في باب العين المهملة - في ترجمة عبد اللّه": قال ابن إسماعيل: حدثنا حماد عن الجريري. وداود بن عون عن أبي سعيد عن وراد، مولى المغيرة، عن المغيرة بن شعبة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه كان يدعو في دبر كل صلاة، انتهى. - الحديث السابع: وقال عليه الصلاة والسلام: - "إذا رأيتم شيئًا من هذه الأهوال، فافزعوا إلى الصلاة"، قلت: غريب بهذا اللفظ، وللبخاري. ومسلم [البخاري في "باب خطبة الإِمام في الكسوف" ص 142، ومسلم: ص 296] في حديث عائشة: فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، والمصنف احتج على أن خسوف القمر ليس فيه جماعة، وإنما يصلي كل واحد لنفسه، وليس فيه مطابقة. قوله: وليس في الكسوف خطبة، لأنه لم ينقل، قلت: هذا غلط، ففي "الصحيحين" [البخاري في "الجمعة - في باب من قال في الخطبة في الثناء: أما بعد" ص 126، ومسلم: ص 298، ولم أر فيهما، أن الشمس. والقمر آيتان من آيات اللّه إلى عباده، ولا بهذا السياق، واللّه أعلم] من حديث أسماء: ثم انصرف بعد أن تجلت الشمس، فقام، فخطب الناس، فحمد اللّه، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف اللّه بهما عباده، ما من شيء كنت لم أره إلا وقد رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحى إلي أنكم تفتنون في قبوركم، مثل أو قريبًا من فتنة الدجال، يؤتى أحدكم، فيقال له: ما علمك بهذا الرجل، فأما المؤمن، أو الموقن، فيقول: محمد رسول اللّه، جاء بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال له: نم صالحًا، فقد علمنا أنك كنت لمؤمنًا، وأما المنافق، أو المرتاب، فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون قولًا فقلته"، وأخرجا [البخاري في "باب صلاة الكسوف جماعة" ص 124، ومسلم: ص 298، واللفظ له] من حديث ابن عباس، فقال: "إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه، ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول اللّه؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإِحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك شيئًا قط"، وأخرجا أيضًا [البخاري في "باب الصدقة في الكسوف" ص 142، وفي غيره قطعة قطعة، ومسلم: ص 296] عن عائشة أنه قال: يا أمة محمد، ما من أحد أغير من اللّه، أن يزنى عبده، أو تزنى أمته، يا أمة محمد، واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، وإني رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفًا من الجنة، حين رأيتموني جعلت أتقدم في صلاتي، ولقد رأيت جهنم، يحطم بعضها بعضًا، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها "عمرو بن لحي" وهو أول من سيب السوائب، وأخرج مسلم [مسلم: ص 298.] عن جابر: ولقد جيء بالنار حين رأيتموني تأخرت، مخافة أن يصيبني من لفحها، وحتى رأيت فيها "صاحب المحجن"، يجر قصبه في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فطن له، قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به، وحتى رأيت فيها "صاحبة الهرة" التي ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت جوعًا وعطشًا، ثم جيء بالجنة، وذلك حين رأيتموني تقدمت، حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي، وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل، ما من شيء توعدونه، إلا قد رأيته في صلاتي هذه، وأخرج أحمد [أحمد في "مسنده" ص 16 - ج 5، والحاكم في "المستدرك" ص 330 - ج 1] في حديث سمرة بن جندب، فحمد اللّه وأثنى عليه، وشهد أنه عبد اللّه ورسوله، ثم قال: أيها الناس، أنشدكم باللّه، إن كنتم تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي، لما أخبرتموني ذلك، قال: فقام رجال، فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك، ثم قال: أما بعد: فان رجالًا يزعمون أن كسوف هذه الشمس، وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مطالعها، لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وأنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات اللّه، يعتبر بها عباده، فينظر من يحدث له منهم توبة، وأيم اللّه لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لا قوه في أمر دنياكم وآخرتكم، وأنه واللّه لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا، آخرهم الأعور الدجال، وأنه متى يخرج، فسوف يزعم أنه اللّه تعالى، فمن آمن به، وصدقه، واتبعه لم ينفعه عمل صالح من عملٍ سلف، ومن كفر به، وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله سلف، وأنه سوف يظهر على الأرض كلها، إلا الحرم. وبيت المقدس، وأنه يسوق الناس إلى بيت المقدس، فيحصرون حصرًا شديدًا، قال فيصبح فيهم عيسى ابن مريم، فيقتله، وجنوده، حتى إن جذم الحائط، وأصل الشجرة لينادي: يا مسلم، هذا كافر، تعال، فاقتله، ولن يكون ذلك حتى يروا أمورًا يتفاقم شأنها في أنفسكم، فتتساءلون بينكم، هل كان نبيكم ذكر لكم منها شيئًا؟، ثم على أثر ذلك الموت، وكذلك رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وأخرج ابن حبان في "صحيحه" [والنسائي من حديث ابنه عبد اللّه: ص 218، بمعناه.] في حديث عمرو بن العاص، فقام، فحمد اللّه، وأثنى عليه، وقال: لقد عرضت عليَّ الجنة، حتى لو شئت لتعاطيت قطفًا من قطوفها، وعرضت عليَّ النار، حتى جعلت ألقيها، حتى خفت أن يغشاكم، فجعلت أقول: ألم يعدني أن لا يعذبهم، وأنا فيهم، ألم يعدني أن لا يعذبهم، وهم يستغفرون، ورأيت فيها "الحميرية السوداء" - صاحبة الهرة، كانت حبستها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت فيها صاحب بدنتي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ - أخا دعدع - يدفع في النار بقصبته، ورأيت "صاحب المحجن" متكئًا في النار على محجنه، وأجاب الأصحاب عن ذلك كله، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقصد الخطبة، وإنما قال ذلك دفعًا لقول من قال: إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم، وإخبارًا بما رآه من الجنة والنار، واستضعفه الشيخ تقي الدين، فقال: إن الخطبة لا ينحصر مقاصدها في شيء معين، سيما، وقد ورد أنه صعد المنبر، وبدأ بما هو المقصود من الخطبة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، وقد يتفق دخول بعض هذه الأمور في مقاصدها، مثل ذكر الجنة والنار، وكونهما من آيات اللّه، بل هو كذلك جزمًا، انتهى. قلت: وصعود المنبر، رواه النسائي [النسائي في "باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف" ص 222 من حديث عائشة، وأحمد في "مسنده" ص 354 - ج 6 من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنها، بلفظ آخر.]. وأحمد في "مسنده". وابن حبان في "صحيحه"، ولفظهم: ثم انصرف بعد أن تجلت الشمس، فقام، فصعد المنبر، فخطب الناس، فحمد اللّه، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إن الشمس والقمر، الحديث، وبمذهبنا، قال الإِمام أحمد: إن الخطبة لا تسن في الكسوف، وأجابوا بما أجاب به أصحابنا، نقله ابن الجوزي في "التحقيق"، واللّه الموفق.
|